السبت، 2 يوليو 2011

كفافيس الشاعر اليونانى الذى عشق الاسكندرية


قسطنطين كفافيس بأواخر أيامه
الإسكندرية تلك الساحرة يعشقها كل بطريقته حتى ولو اضطر أحيانا للانتقال بعيدا عنها مؤقتا لكنه يفضل دائما العودة لها حتى ولو جثة تريد ترابها مثواها الأخيرConstantine cavafy"كوستس بتروس فوتياديس كفافيس " عاشق يونانى واستمد عظمة كتاباته المعاصرة من عظمة عشقه لعروس البحر التى عاش ومات بها .                                          نشأته
هو أعظم شاعر يوناني معاصر عرفته مصر نزح والداه من اسطنبول الى الإسكندرية واستقر بها حتى دفن بمقابر اليونان بالشاطبى ولد فى التاسع والعشرين من ابريل عام 1863وكان ترتيبه التاسع والأخير بين اشقائه
أجاد والده العمل بتجارة الحاصلات الزراعية فأنشا مكتب بزيزينيا بالاسكندرية واخر بالموسكى بالقاهرة ويتردد انه أول من ادخل صناعة حلج القطن الى مصروانشا مصنعين بكفر الزيات ..ساعده على ذلك علاقته المباشرة بالخديوى سعيد والخديوى اسماعيل .
حظى كفافى بحب واهتمام و راعية مفرطة من امه التى دللته بعد وفاة والده وهو فى السابعة من عمره ووفاة أخته التى تسبقه مباشرة "هيللينى "
دفعت امه الى اتخاذ القرار بعدم ارتياده للمدارس وتلقيه التعليم فى المنزل ..فخصصت له مربية ومدرس مقيمين معه بالمنزل بشارع شريف
فشب خجولا ..منطويا ..لا يعتمد الا على الآخرين ..مرتبط عاطفيا بامه كثيرا ...وعندما بلغ 16 عام التحق ذلك الخجول بالمدرسة التجاريةولم ينتظم تعليمه ولم يحصل على شهادة جامعية ..فعوض عن ذلك باجادته للغة الإنجليزية والفرنسية والإيطالية الى جانب اليونانية ..فعكف على دراسة التاريخ اليونانى والأدب الأروبى والكلاسيكيات بوجه عام .


حصل على الجنسية البريطانية وهو فى السادسة عشر ودائما ما يفخر بانه يونانى من بيزنطة .ولم يشر من قريب او من بعيد الى كونه من اصله أرمينى ام لا, ويرجع اصل اسم كفافى الى التركية والذى يعنى"الإسكافى ".
وكباقى الأجانب المقيمين بمصر غادرها مع الاحتلال البريطانى لها عام 1882 الى استنبول وأقام هناك ثلاث سنوات ثم عاد لحبه الأول اسكندرية
وحصل على وظيفةوزارة الرى استمر بها 30 عاما الى جانب عمله كسمسار للقطن .
                             موهبته وابداعاته
إن كفافيس بالغ القوة بالغ العظمة وواحد من البارزين فى الحركة الفكرية الثقافية ولقبه فورستر عام 1919 بروح الإسكندرية النابضة
كما ذكره لورانس داريل فى رباعيته عن الاسكندرية وسماه شيخ الإسكندرية
نظم الشعر بعد عودته من الاستانة عام 1885 ونشرت له أول قصيدة فى مجلة باسم "المساء"عام 1891 ألف حوالى 154 قصيدة لا يبغى من ورائها الشهرة او المال ..ونشر فى العديد من الدوريات والمجلات بالاسكندرية وغيرها كإستنبول وأثينا .
أصدرت مجلة الفن السكندرى الطبعة الاولى لاعماله الكاملة عام 1926 وحصل فى نفس العام على وسام النخلة الذهبية من حكومة البنغال .
شخصية غامضة مرموقة يعرفها الشعراء والمهتمين بالشعرووالمشتغلين به حتى أصبحت قصائده وحياته نبع الهام لا ينضب للشعراء والباحثين والنقادوالقراء على السواء .


كتبت عنه العديد من الكتب والمؤلفات العالمية بلغات مختلفة بلغت السبعين لغة .
                                مرض وعزلةللنهاية
فى ابريل عام 1922 استقال من عمله ومال الى عزلة تامة فى منزله بإثتثناء عام 1932 الذى اصيب فيه بسرطان الحنجرة فسافر لليونان للعلاج ثم أصر على العودة للاسكندرية وفقد القدرة على الكلام تماما حتى ساءت حالته فدخل مستشفى الجالية اليونانية "كوتيسكا"وظل بها شهرين ...ويبدوا ان لشهر ابريل علاقة وثيقة بمحطات التحول فى حياته
ففيه ولد وفيه استقال والتزم العزلة وفى نفس تاريخ ميلاده وافته المنية فى التاسع والعشرين من ابريل عام1933 عن عمر 77عاما ودفن بمقابر العائلة اليونانية فى الشاطبى .
لم يبقى من هذه العائلة اليونانية العريقة سوى المنزل بأهمينه وقيمته الأثريةالذى أقام فيه شاعرنا المرموق وتحول بعد وفاته الى بنسيون وظل هكذا حتى عهد المستشار الثقافى اليونانى "كوستس موسكوف"
الذى انشأجمعية محبى كفافيس و حول المنزل لمتحف تابع للسفارة اليونانية يضم تمثال رخامى لهوديوانه وبعض النصوص و المخطوطات بخط يده والعديد من المقتنيات القيمة ومجموعة صور شخصية متنوعة له باختلاف مراحل حياته وبعض شرائط الفديو للأفلام التى انتجت عنه ,كما أهدت الكنيسة بعض المقتنيات للمتحف

                                     مبدع وجائزة
شاعر العصر الحديث الغامض بتصرفاته وانتماءاته الفكرية التى استمد موضوعاتها من من التاريخ بعصوره المختلفة ..وخاصة العصرالكلاسيكى لحضارة اليونان والعصور البيزنطية ..كما استمد الكثير الآخر من الحياة المعاصرةووقائع حياته الشخصية .ونشاتها المنطويةالتى جعلت منه شاعر مرهف الحس يكره التواصل مع العقول الفارغة وكثرة الثرثرة الغير مجديةلذلك بدى لمن حوله غريب التصرفات مثير للدهشة.
وجدت وسط مقتنياته بعض المخطوطات التى عند قراءتهاتعكس عمق نظرة أدبية مبدعة .
"ما أكثر ما يهبط على خاطر جميل أو صورة نادرةأو أبيات شعرية جاهزة ومفاجئة ولكننى أضطرإلى ترك هذا كله لأن عملى فى وظيفتى لا يحتمل التأجيل ,ثم أعود للبيت وأستريح قليلا وأحاول أن أتذكرها هذه الخواطر
الجميلة فاذا بها قد ضاعت وتبددت ومن حقها أن تفعل ,فالفن ليس خادما لك عندما يأتيك وتكون مشغولا عنه ثم يعود ويستجيب لدعوتك عندماتطلبه ".
وجد أيضا ضمن مذكراته ما كتبه عن بيته "ليس أفضل من هذا الذى أعيش فيه أمامى الكنيسة حيث تغتفر الخطايا وأبعد قليلا المستشفى حيث نقضى ,وانا هنا فى الأعالى بطلا وضحية".
هذاونمنح جائزة كفافيس الدولية فى الشعرللمبدعين من مصر واليونان وبدأت عام 1990فى مجالات الشعر والرواية والترجمة والنبوغ ...
بهدف تنمية العلاقات المصرية اليونانية ..حاز من مصر عام 2007 على هذه الجائزة الشاعر فاروق جويدة وفى مجال الرواية رضوى عاشور وفى النبوغ سحر الموجى .
ونظمت فى عام 1983 للمرة الاولى فى الاسكندرية والقاهرة احتفاليات ثقافية متميزة فى الذكرى ال50 على وفاته تحت اسم كفافيات ومنذ ذلك الوقت يهتم المثقفين والادباء ولا سيماالسكندريين باحياء تلك الذكرى.
                                 كتابات عربية وغربية
تناول كتاباته بالسرد العديد من الكتاب العرب والغربيين عامة واليونانين بشكل خاص .
يقدم وسام الدويك فى كتابه "كفافى الشاعر والمدينة"توثيق من خمس محاور أساسية تتناول مخطوطات تروى أجزاء من حياته ..
المحور الأول "الأسرار القديمة "يتعرض لطفولته وأسرته وعمله وانتقالاته .
المحور الثانى "أجمل نساء العالم"ويقصد بها القصيدة باعتبارها أهم ما فى حياة كفافى .
وترجم له فى هذا الفصل شعراء وأدباء عرب أمثال "أحمد عبد المعطى حجازى ,حمدى ابراهيم ,رفعت سلام ,أحمد مرسى ,إبراهيم منصور ,نعيم عطية .
المحور الثالث "المدينة المجاورة لمصر"وهو الاسم الذى يطلقه الرومان على الاسكندريةحيث يرسم صورة لتلك الفاتنة التى ألهمت الكثيرين من الشعراء والأدباء .
المحور الرابع "معبد الروح "ويصف منزله الذى عاش ومات فيه وما يحتويه حاليا من قطع أثرية وأثاث راق .
المحور الخامس والأخير "ثريا رائعة تسطع بالنور "وهو مقطع من قصيدته الثريا حيث يسرد مذكاته والاطروحات التى كتبت عنه والجائزة الدولية التى تحمل اسمه وأسماء من حصدوها عرب وغربيين ,وفى النهاية عرض لصور الشاعر و متعلقاته منذ الطفولة وحتى وفاته.
ولا يجوز أن نذكر ما كتب عنه ونتجاهل بالذكر أطروحة الدكتوراه التى قدمها "غريغورى غوزدانيس" تحت عنوان "شعرية كفافى"والذى قدمه للمجلس الاعلى للثقافة بترجمة رقيقة عالية المستوى الشاعر" رفعت سلام",ويتناول تجربة كفافى من بعدا واحدا وهو"الشعرية"عبر ست زوايا
أو ست مفاهيم خاصة به .


1_مفهومه عن "الشاعر "وما يميزه عن الانسان العادى من حيث الهامه وخصوبةخياله ومفرداته .


2_مفهومه عن "المتلقى "أو المستقبل للشعر وهل هو عنصر من عناصر العملية الابداعية أم خارجها هل دور يقتصر على كونه مستهلك سالب التفاعل ام انه عنصر أساسى مشارك فاعل فى النص .


3_ مفهومه عن اللغةوتأثيرهافى النص وفى الخطاب الأدبى .


4_مفهومه ببساطة حول الشكل فى مقابل المضمون .


5_التراث فى شعريته هل هو معين ينهل منه فيلهمه دائما وأبدا ام عبىء يهدد الشاعر ويقلق تفرده ونقاء صوته ام يسجنه داخل شكل متفرد .
_مدى مشروعية محاكاة الشاعر للعالم الخارجى كمصدر للالهام أو التقليد. 
                             قلب الشاعر
ذلك الشاعر الذى عاش ومات وحيدا يشعل الشموع لزواره ويطفئها اذا اراد الخلوة أشعل دائما الشموع لمحبوبته التى قاسمت الاسكندرية ما فى قلبه من حياة والهام وهيام انها مدام "كرستينا قسطنطين "..صاحبة مقهى ايليت الشهير ..ظلت تشعل الشموع بعد رحيله وتحافظ على طقوسه لبعض مرتادى المقهى من المشاهير فتقدم لهم طبقه المغضل ومشروبه المفضل ..على انغام الموسيقى وأضواء الشموع ..نثرت صوره وقصائد بخط يده على جدران المقهى وعاشت حياتها بين ذكرياتها معه..وفاءا لعهدها معه بألا تترك الاسكندرية ..
"يا فاتنة الأوليمب لا تتركى الإسكندرية "بهذه العبارة التى ظلت ترددها اليونانية الحسناء الت أثرتى قلبه طلب منها الاتتركه وتترك ما اشتركا فى الغرام به...المدينة الساحرة .
ظلت سيرته حاضرة فى مخيلتها وسلسبيلا على شفاهها وهى تروى لمرتادى المقهى عنه وتؤكد فى كل حرف ..على مشاعر ظلت تنبض حتى وفاتها , مازال
المقهى يحتفظ بروحه وتهيم بداخله ارواح من احبوه ويستشعرها كل من زار المكان وهو يستحضر فى ذهنه قصص أصحابه .


                      نشر بجريدة القاهرة بتاريخ23 نوفمبر 2010