الثلاثاء، 24 يناير 2012

فى الإسكندرية كل يثور على طريقته ..

إسبوع الجرافتى العنيف بالإسكندرية 
ثورة  يناير نص لم يكتمل حتى الآن ..إلا أنه لا يجرؤ أيًا كان أن يوصمه بعبارة ممنوع من النشر ..بدأ منذ عام ظهوره الوليد القوى بعباراتٍ رنانة تفتحت أمامها آفاق القلوب الثكلى  المسترسلة فى معاناتها من  الفقر والألم والفساد , بدأت بسؤالٍ عن ( العيش ..الحرية ..العدالة الإجتماعية ) إلا أنه والآن اختلفت كثيرًا او تحديدًا زادته المعاناة ..وطمع أطرافًا أخرى إستغلت الأحداث وأصبغت عليها صبغة الصراع ..فتحولت من هتافات ضد نظامٍ بات الآن مخلوع ، إلى هتافات ضد متسولى السلطة ، بشتى أصنافهم ورغم الإختلاف التى تموج به الإسكندرية من إتجاهات فكريًا وعقائديًا على أرض الواقع إلا أن حالها حال شتى بقاع مصر فالأغلبية أجمعت على الخروج من جديد لإعلان أستمرار الثورة وليس للإحتفال بذكراها الأولى , بل يستمرالنضال الثورى حتى تتحقق كافة المطالب التى لم يتحقق منها غير السراب حتى الآن ولكن كما قال فى الماضى أمل دنقل " عندما يملأ الحق قلبك ..تندلع النار إن تتنفس "
وتحت شعاراتٍ عدة ( ثورة .. ثورة حتى النصر _  للبيت رب..  وللثورة شعب ) بدأت الإستعدادات التى لن تتوقف  بالإسكندرية لجولةٍ أخرى من جولات الثورة مستمرة .
                                         
                                                     بطريقتى
فى الإسكندرية كل شئ مختلف ، كل شئ حتى الثورة .. لم تتوقف وجوه الإختلاف على حد الميادين والبشر ، فى الإسكندرية كلٍ يثور بطريقته كما يتشبث بالحلم بطريقته ،رغم الموجة الجليدية التى اجتاحتنا هنا لم نلتزم دفء بيوتنا بل التزمناه دفءٌ من نوع آخر ننتشر على المقاهى وفى الشوارع نتحادث ونستعد ونرتب ليوم حافل بشعارات جديدة ودعوات مستمرة ليوم 25 القادم ، وفى هذا الإطار أٌطلقت العديد من الدعوات والمبادرات منذ عدة أيام ، منها بادرة بعنوان (إسبوع الجرافتى العنيف بالإسكندرية ) والتى بدأت فعالياتها تحت شعار (انزل وارسم فى بلدك _فكر ..إبتكر ..ناضل ..شخبط ) وقد إنتشرت رسوماتها فى الكثير من المناطق ،كسيدى جابر ومحطة الرمل والشاطبى ومحرم بك والعجمى وغيرها ، ويرتكز نشاطها  الأساسي على  الدعوة الصريحة للخروج يوم 25 يناير المقبل ، ورفض تسميته بالإحتفالية ..ومن عباراتهم التى طرزوا بها جدران وحوائط المدينة ( 25 يناير تسقط دولة مبارك ..وبعض الصور المصحوبة بتعليقات ..كصورة لتليفزيون ملقى بالقمامة وعليه تعلو جملة خطر على دماغك _ صورة الفتاة المسحولة الشهيرة وعليها عبارة أين الكرامة _ صورة لقبضة تواجه مسدس  وعليها  عبارة سلمية ..كاذبووون .. صورة جندى يقتل  شاب تصاحبها عبارة اقتلنى قتلى ما هيعيد دولتك تانى  .. ويا نظام غبى إفهم بقة مطلبى حرية ... وغيرها الكثير ) والكثير من الكلمات والأبيات التى تشحن الطاقات الثورية وروح الاستمرار فى المقاومة  لدى الشباب

                                           سلاسل وتصحيح  
فى 18 يوم قام الشعب المصرى شبابًا وشيوخ مسلمين ومسيحيين رجالًا ونساءًا بكل طوائفه وطبقاته بثورة بِكرْ شهد العالم أجمع بتفردها وتميزها لإنفرادها بقوة وأخلاق لا يتمتع بها سوى هؤلاء الذين نظفوا ميادينهم بعدها أولئك الذين حموا متاحفهم وآثارهم لأنهم لا يريدون هدم الماضى وإقامة المستقبل على أنقاضه ،وإنما يريدون الحياة الانسانية الحرة والكريمة للجميع سواسية ، ولكن باتت هناك بعض الأسئلة تطرح نفسها على الساحة  .                             
ماذا حدث لهؤلاء ؟؟                                                                                       
هل تغيروا ؟؟ ..هلى تحولوا الى بلطجية ومخربين ؟؟                                                   
هلى تخلوا عن صلواتهم فى أصعب الظروف تحت قنابل الغاز وطلقات الرصاص ليتحولوا لقتلة ومخربين مأجورين ؟؟                                                                                    
الإجابة القطعية بالطبع لا ، فهم أيضًا من اطفئوا نار فتنة المجمع العلمى فى الوقت الذى تخازلت فيه قوى الدولة عن اخماد الحريق رغم أنه لا يبتعد سوى خطوات عن مرفق المطافى ، لذا فقد ألحت الضرورة على إعادة الأمور لنصابها وإزاحت الشوائب والغبار الذى بدأ فى التراكم على صور الثورة والثوار، مما لا شك فيه أن مفهوم المجتمع لكلمة الثورة قد اختلف اليوم عن بداياتها بعد ما حدث من تشويه متعمد لشبابها ورموزها وما حدث من اختلاف فى وجهات النظر وفقًا للأحداث وفى اطار التصدى لهذا الواقع حرص  العديد من المبادرات فى الإسكندرية على التزام صورتهم بداية الأمر فإنطلقت   مبادرة  يا الميدان و  مبادرة إحم ثورتك على مستوى القاهرة والإسكندرية منذ أيام  وكانت البداية  بحركة (سلاسل الثورة ) وهى سلاسل بشرية منظمة فى جميع شوارع مصر الهدف منها  توصيل صوت الثورة لكل مواطن مصرى ودفاع كل فرد منها عن شعاره الخاص المؤمن به  وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الثورة والثوار التى شوهتها بعض وسائل الإعلام ،واسترجاع روح الميدان التى لا تفرق  بين معتقد دينى أو سياسى ويأتى ذلك فى نطاق التأكيد على سلمية التظاهرات والتأكيد على أهمية الضغط الشعبى والثورى لتحسين الفترة الإنتقالية .                                                                                                                                                                    وللحرص على استكمال الثورة دون الإخلال بأهدافها الحقيقية كان الشعار المشترك والغالب على الجميع والذى أطلقته صفحة الشهيد بهاء سنوسى عضو إئتلاف الثورة وحزب التيار المصرى  (ثورة سلمية ..سلطة مدنية )، فيما يأتى هذا الشعار مؤكدًا على سلمية المرحلة القادمة أيضَا كسابقتها يأتى مطالبًا العسكرى بتسليم السلطة لسلطة أخرى مدنية ..مُذكرًا إياه بيوم 25 فبراير 2011 حين نزل الجميع وأعلنها مدوية للمجلس العسكرى بأن الشعب هو القادر على حماية ثورته كما بدأها وحماها منذ ولادتها الأولى ، فإن كان للبيت ربٌ .. فللثورة شعبٌ يحميها                                                                                                      تنظيم مسار                                                 
على صعيد آخر تنظم اللجنة التنسيقية لأحزاب ثورة 25 يناير 2010 بالإسكندرية ورشة عمل تأتى الأولى من نوعها منذ بداية الثورة بهدف تنظيم مسار الثورة والثوار ، هذا ويعقد أول إجتماع لهذه اللجنة الأحد الموافق 22 يناير الحالى  وتضم لجنة الدفاع عن الثورة بالإسكندرية 7 أحزاب فضلًا عن المجلس الوطنى المصرى ، وهم " التحالف الشعبى الإشتراكى ، الجبهة الديمقراطى ،غد الثورة ، الكرامة ، العدل ، الحق المصرى ، العربى الديمقراطى الناصرى " وتحرص اللجنة التنسيقية فى إتصالاتها على أن  تحشد أحزاب الثورة فقط الخالية من فلول الحزب المنحل كما تشدد فى تعاطيها مع هذه الأحزاب على ضرورة المشاركة الفعلية لا الشكليةفى دعمهم للثورة وأبنائها كذلك على ضرورة تقديم الدعم من خلال لجانها الأربعة وهم " حماية الثورة والثوار ،إعلامية ميدانية لرصد الإنتهاكات والمخالفات وتوثيقها ،الدفاع عن الثوار ، الطبية للإسعافات الأولية "                                                                                                                          وسوف تشارك جميع الأحزاب المشاركين فى تلك الدورة التدريبية عملية يقدمها متخصصين سيتم إختيارهم حسب خبرتهم وإخلاصهم فى عملهم ، وذلك بجهود وموارد ذاتية من خلال صندوق خاص بهذه اللجنة ، وتعد هذه التنسيقية مبادرة فكرية شبابية من نشطاء الثورة السكندريين هدفها الأول تقديم المساعدة ويد العون لِمَا هم مؤمنين به تجاه الثورة وثوَّارها لتلاشى أخطاء الماضى وإعادة تصحيح مسارها                                                                                                                                                                ومن جانب آخر يستمر نشطاء ومثقفى الإسكندرية  فى التنظيم والإستعداد بكامل طاقتهم لهذا اليوم المهيب الذى ينتظره الجميع بفارغ الصبر يصاحب هذا الانتظار بعض الحنين لأيام الغضب والحرية الأولى ومجدها ، وتظل مصر دائمًا كما أطلق عليها عمنا جاهين التلت حروف الساكنة المشحونة ضجيج

                                                         نشر بجريدة القاهرة  24 / 1 / 2012 

الثلاثاء، 10 يناير 2012

الله .. كأنهُ هو معاناة لا تنتهى




لم تتوقف جرأة شبابنا عند حد ثورةٍ على نظام فاسد أضنى جسد الأمة بألواناً من التناقضات والعذابات المرفوضة ..بل امتدت جرأتهم للحديث والثرثرة بموضوعات وأفكارٍ وتساؤلات  ظلت لعهود سحيقة من المحرمات الخوض فيها أو تناولها بالحديث من قريبٍ أو بعيد , حتى كانت البداية ..!
الله.. كأنه هو أحدث إصدارات دار نفرو , إشارةٌ ما , تحمل فى طياتها الكثير والكثير من الإسقاطات والتساؤلات التى لا تقف عند حد ولا تحترم غير العقل فى مضمونها ...
(لنكن عيدًا لأولهم وآخرهم ..لنكن دينًا لكل المتعبين ..لنكن أثرًا فى هذه الحياة القصيرة جدًا والرائعة جدًا ..فليكن ما يمكن , وما لا يمكن لنا أن نكونه ..) لنكن أثرًا , تلك الحياة الأثر ؛ أثرنا فكرة نطرحها بين صخبٍ لآثارٍ أُخَرْ 
أثرْ أبو القاسم الشابى بيته الشعرى الشهير مؤخرًا , ألهَم ثورات العالم العربى بعد موته بسنوات طوال ,إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة   فلابد أن يستجيب القدر
 فإستجاب, وكانت مقولته عيدًا لكل المتعبين .
هل حياتنا نحن أثر ؟
تساؤل من بين المئات التى يطرحها كاتب تكمن جرأته فى حداثة سِنه وتناوله لموضوعات كفَّ عن تناولها أو البحث فيها الكثيرين بإدعاء أنها مقارنات لا جدوى منها , ولابد أن تنتهى بك إلى الرفض , ولكن أىُّ رفض ؟ إنه رفض الآخر, المختلف معنا عقائديًا وفكريًا , ما إعتدنا عليه فى تناولنا للآخر هو الانتهاء الى مالا يمكن لنا ألا نقبله , وبمنتهى الوعى المتعمد  نتجاهل أنه ضمنيًا هناك ما نتفق فيه , عند تحليل فكر عقائدى ما من الطبيعى أن نصطدم  بما نختلف عقائديًا معهم , إلا أننا وفى حال إلتزامنا الموضوعية  سنفاجئ بنقاط نتفق فيها حتى ولو كانت مختلفة الظهور فى شكلها من عقيدةٍ لأخرى .
                                
                                      الموت بداية
" الله .. كأنه هو" معاناة باحث حول رصد فكرة الإله عبر التاريخ البشرى الطويل, كيف تناولتها الأديان ؟
فى رؤية فلسفيه لحقيقة حضور الله يرى الكاتب أعظم ظهور لهذه الحقيقة فى أمرٍ ترتد إليه كل الأشياء , نحن والعالم والوجود بأكمله ..ألا وهو الموت !
فلكى نتحدث عن الله لابد وأن نتحدث عن الموت ..الذى تُثار حوله العديد والعديد من التساؤلات , ما معنى الموت ..؟
هل بُنيت حيواتنا على معنى خاص وعميق للموت ..؟وهكذا تنمو الأسئلة
الى أن تصطدم بفكرة ..ما معنى أن يَخلق الله ويتجلى حضوره فى فكرة الموت , ثم يزَيِّفه بفكرة البعث ؟..
وتستمر هكذا رحلة البحث الفلسفية  المُصاغة بشكل أدبي , مُطرز دائمًا بعلامات الإستفهام والتعجب , والتى تدفعنا دفعًا..لقراءة هذا العمل المثير للجدل مرات عدة , ولا شك أنه بعد كل قراءة تتبلور فكرة جديدة أو تختفى إحدى علامات الإستفهام بإجابةٍ قد تكون رؤية فردية للكاتب .
كفكرة المساواة بين الموت والحياة ,فالكتاب المقدس يتعامل مع فكرة الموت على أنه عقاب  (موتًا تموت ) , كلمة صادمة سيتم توريثها فيما بعد ,
أما القرآن يتناول الموت  كحق على البشرية وكافة الخلق , أمرٌ عادى مساوٍ للحياة,عالم آخر مجسَّد منذ لحظة بعثنا على ما متنا عليه من هيئةٍ  وجسدٍ وفعل  , صورة من التعظيم وفى موازاتها يُلقىِ على كتفيك بكامل المسؤلية ,تجد فى تلك الرؤية العميقة بعض الراحة , حيث إحترام العقل وحرية الاختيار , فى حين أنَّ  المسيحية وفكرة تعظيمها الدائم  للإنسان عبر تجسد الرب بجسدك فى صورتك وبالنهاية كمُخلصك ..؟ تجدها مبعث للتواكل والإهمال .
                                 ما الفائدة ؟
قد يرد على ذهن البعض بعد القراءة حول حقيقة ما الجديد الذى قدمه هذا العمل  وما الذى سيعود علينا مستقبلًا ؟ خاصة وأنه مخالف لكافة العلوم الحديثة التى تستطيع التنبؤ بالمستقبل بل وتكوين فكرة نقدية له ..؟
وإن كان دعوةً صريحة لإعمال العقل , فما النفع من التفكير بعقلية العصور الوسطى  ؟
فجاءت ردود الكاتب ..
_فى جوهر  بحثى هنا وفى تنبؤنا بالمستقبل   محاولةً للنقد والإجهاز على مشكلات الماضى وصعوباته دون حذفها  إلا أنها فى ذات الوقت إسقاط على الواقع الحالى , دعوة للإختلاف مع الآخر ولكن بتقبله دون رفضه .
لم يأتى كتاب " الله ..كأنه هو" تكرارًا لاى كتاب سابق ,ولم يكن تناوله أبدًا تخيلًا مسبقًا وبسيطًا حول فكرة الايمان او الإلحاد .
فكرة الإلحاد قائمة على نقد الآلهة , كتاب (الله .. كأنه هو) يرفض  تصورات الآلهة ولم يرفض فكرة الإله ذاته , يتجلى لنا هذا من خلال تناوله لأحدث كتاب صدر بهذا الصدد لأشهر مفكر ملحد معاصر وهو" ريتشارد دوكنز" فى كتابه وهم الإله الذى تناوله الكتاب بالنقد والرفض لمختلف الأنساق الذى يقدمها دوكنز على مدى فصل كامل  وأيضًا يتناول بالنقد العديد من المؤلفات فى أصلها مسيحية , تناول نقدى حيادى  دون رفض أو تأييد لذلك لم يأتى الكتاب كالمعتاد حين التطرق لهذه الأفكار, لم يأتى كمقارنة أديان حول فكرة الإله كيف تناولتها اليهودية؟ ..أوكيف تناولتها المسيحية ؟..وكيف تناولها الإسلام؟ ..وإنما جاءت الفكرة فى حلٍ تام من مبدأ المقارنة , فجاء الكتاب وكأنه حالة بحث مضنية مستمرة حول ذاتية الإله عبر تاريخنا البشرى الطويل , على صعيدٍ آخر ننتهى إلى أن رحلة الكاتب لم تكن كما سيتصور القارئ فى البداية  رحلة من الشك الى اليقين وإنما رحلة  تفكير عقلانى لتأكيد قناعاتٍ ما .
                                         الفخ
بقدر تعدد أسباب متعة القراءة بدايةً من جرأة الأفكار والتناول ..وحداثتهم إلا وأنه على مدى القراءة تستشعر وكأن بالكاتب ينصب لذاته فِخاخًا ويستعد بمنتهى الوعى للسقوط  فيها , بدايةً من زخم الأفكار والتساؤلات , بل وتكرار بعضها أحيانًا , وانتهاءًا بحالة من التشتيت المبدئى التى تسببت فيها بشكل مباشر كثرة المراجع والقراءات التى إستعان بها الكاتب وقدم لها رؤى نقدية ,جاءت تناولاته وإن كانت بشروحٍ مستفيضة , إلا أن كثرتها تسببت فى حالة من عدم التركيز, خاصة عندما بدأ فى عرض ظروفٍ وتجارب خاصة أثرت فيه وحده , لا علم لى  بها فأقف عندها تتملكنى الحيرة حول السبب الحقيقى  لعرض هذه التجارب وما إن كانت حوادث عامة أجهلها وأجهل معها علاقتى كقارئة بها .
إلا أنك فى النهاية تصطدم بالفخ الأعظم الذى نصبه الكاتب لك وله على حدٍ سواء ألا وهو توقفه عن حالة بحثه بشكلٍ مفاجئ عند الديانة المسيحية وكأن بالاسلام لم يظهر بعد او وكأنه لم يعرض لفكرة الإله فى مضمونه وعقيدته فلا تستطيع حتى بالتنبؤإستخلاص أى صورة للتناول الاسلامى لفكرة الإله
وعلى الرغم من  ذلك تنتهى الى تقبل العمل ككل, حين تبصر حديثه  الذاتى الخاص فى النهاية .
(غايتى ليست أن أتسلل للسماء كى أرى الله رغبةً مجنونة فى الأبدْ , غايتى أبسط .
أقول لنفسى :
لماذا تحزن ؟ ألا تؤمن بالله ؟أبسط فكرة يمكن أن نتفق عليها أنه هنا , أن الله بيننا وأننا لا نعرفه ,وأن الخير ليس سهلًا لكنه ممكن ،وأننا لا شئ فى وجود مربك ولكننا مفضلون ومقصودون وأن هناك علة لك , تُرى ..كيف تقتنص النقاط التى تؤهلك لتدوين عالمك , وكم ستحتاج من الوقت لتفهم حكمة الله ؟).

       نشر بجريدة القاهرة 10 /1 / 2012

السبت، 2 يوليو 2011

كفافيس الشاعر اليونانى الذى عشق الاسكندرية


قسطنطين كفافيس بأواخر أيامه
الإسكندرية تلك الساحرة يعشقها كل بطريقته حتى ولو اضطر أحيانا للانتقال بعيدا عنها مؤقتا لكنه يفضل دائما العودة لها حتى ولو جثة تريد ترابها مثواها الأخيرConstantine cavafy"كوستس بتروس فوتياديس كفافيس " عاشق يونانى واستمد عظمة كتاباته المعاصرة من عظمة عشقه لعروس البحر التى عاش ومات بها .                                          نشأته
هو أعظم شاعر يوناني معاصر عرفته مصر نزح والداه من اسطنبول الى الإسكندرية واستقر بها حتى دفن بمقابر اليونان بالشاطبى ولد فى التاسع والعشرين من ابريل عام 1863وكان ترتيبه التاسع والأخير بين اشقائه
أجاد والده العمل بتجارة الحاصلات الزراعية فأنشا مكتب بزيزينيا بالاسكندرية واخر بالموسكى بالقاهرة ويتردد انه أول من ادخل صناعة حلج القطن الى مصروانشا مصنعين بكفر الزيات ..ساعده على ذلك علاقته المباشرة بالخديوى سعيد والخديوى اسماعيل .
حظى كفافى بحب واهتمام و راعية مفرطة من امه التى دللته بعد وفاة والده وهو فى السابعة من عمره ووفاة أخته التى تسبقه مباشرة "هيللينى "
دفعت امه الى اتخاذ القرار بعدم ارتياده للمدارس وتلقيه التعليم فى المنزل ..فخصصت له مربية ومدرس مقيمين معه بالمنزل بشارع شريف
فشب خجولا ..منطويا ..لا يعتمد الا على الآخرين ..مرتبط عاطفيا بامه كثيرا ...وعندما بلغ 16 عام التحق ذلك الخجول بالمدرسة التجاريةولم ينتظم تعليمه ولم يحصل على شهادة جامعية ..فعوض عن ذلك باجادته للغة الإنجليزية والفرنسية والإيطالية الى جانب اليونانية ..فعكف على دراسة التاريخ اليونانى والأدب الأروبى والكلاسيكيات بوجه عام .


حصل على الجنسية البريطانية وهو فى السادسة عشر ودائما ما يفخر بانه يونانى من بيزنطة .ولم يشر من قريب او من بعيد الى كونه من اصله أرمينى ام لا, ويرجع اصل اسم كفافى الى التركية والذى يعنى"الإسكافى ".
وكباقى الأجانب المقيمين بمصر غادرها مع الاحتلال البريطانى لها عام 1882 الى استنبول وأقام هناك ثلاث سنوات ثم عاد لحبه الأول اسكندرية
وحصل على وظيفةوزارة الرى استمر بها 30 عاما الى جانب عمله كسمسار للقطن .
                             موهبته وابداعاته
إن كفافيس بالغ القوة بالغ العظمة وواحد من البارزين فى الحركة الفكرية الثقافية ولقبه فورستر عام 1919 بروح الإسكندرية النابضة
كما ذكره لورانس داريل فى رباعيته عن الاسكندرية وسماه شيخ الإسكندرية
نظم الشعر بعد عودته من الاستانة عام 1885 ونشرت له أول قصيدة فى مجلة باسم "المساء"عام 1891 ألف حوالى 154 قصيدة لا يبغى من ورائها الشهرة او المال ..ونشر فى العديد من الدوريات والمجلات بالاسكندرية وغيرها كإستنبول وأثينا .
أصدرت مجلة الفن السكندرى الطبعة الاولى لاعماله الكاملة عام 1926 وحصل فى نفس العام على وسام النخلة الذهبية من حكومة البنغال .
شخصية غامضة مرموقة يعرفها الشعراء والمهتمين بالشعرووالمشتغلين به حتى أصبحت قصائده وحياته نبع الهام لا ينضب للشعراء والباحثين والنقادوالقراء على السواء .


كتبت عنه العديد من الكتب والمؤلفات العالمية بلغات مختلفة بلغت السبعين لغة .
                                مرض وعزلةللنهاية
فى ابريل عام 1922 استقال من عمله ومال الى عزلة تامة فى منزله بإثتثناء عام 1932 الذى اصيب فيه بسرطان الحنجرة فسافر لليونان للعلاج ثم أصر على العودة للاسكندرية وفقد القدرة على الكلام تماما حتى ساءت حالته فدخل مستشفى الجالية اليونانية "كوتيسكا"وظل بها شهرين ...ويبدوا ان لشهر ابريل علاقة وثيقة بمحطات التحول فى حياته
ففيه ولد وفيه استقال والتزم العزلة وفى نفس تاريخ ميلاده وافته المنية فى التاسع والعشرين من ابريل عام1933 عن عمر 77عاما ودفن بمقابر العائلة اليونانية فى الشاطبى .
لم يبقى من هذه العائلة اليونانية العريقة سوى المنزل بأهمينه وقيمته الأثريةالذى أقام فيه شاعرنا المرموق وتحول بعد وفاته الى بنسيون وظل هكذا حتى عهد المستشار الثقافى اليونانى "كوستس موسكوف"
الذى انشأجمعية محبى كفافيس و حول المنزل لمتحف تابع للسفارة اليونانية يضم تمثال رخامى لهوديوانه وبعض النصوص و المخطوطات بخط يده والعديد من المقتنيات القيمة ومجموعة صور شخصية متنوعة له باختلاف مراحل حياته وبعض شرائط الفديو للأفلام التى انتجت عنه ,كما أهدت الكنيسة بعض المقتنيات للمتحف

                                     مبدع وجائزة
شاعر العصر الحديث الغامض بتصرفاته وانتماءاته الفكرية التى استمد موضوعاتها من من التاريخ بعصوره المختلفة ..وخاصة العصرالكلاسيكى لحضارة اليونان والعصور البيزنطية ..كما استمد الكثير الآخر من الحياة المعاصرةووقائع حياته الشخصية .ونشاتها المنطويةالتى جعلت منه شاعر مرهف الحس يكره التواصل مع العقول الفارغة وكثرة الثرثرة الغير مجديةلذلك بدى لمن حوله غريب التصرفات مثير للدهشة.
وجدت وسط مقتنياته بعض المخطوطات التى عند قراءتهاتعكس عمق نظرة أدبية مبدعة .
"ما أكثر ما يهبط على خاطر جميل أو صورة نادرةأو أبيات شعرية جاهزة ومفاجئة ولكننى أضطرإلى ترك هذا كله لأن عملى فى وظيفتى لا يحتمل التأجيل ,ثم أعود للبيت وأستريح قليلا وأحاول أن أتذكرها هذه الخواطر
الجميلة فاذا بها قد ضاعت وتبددت ومن حقها أن تفعل ,فالفن ليس خادما لك عندما يأتيك وتكون مشغولا عنه ثم يعود ويستجيب لدعوتك عندماتطلبه ".
وجد أيضا ضمن مذكراته ما كتبه عن بيته "ليس أفضل من هذا الذى أعيش فيه أمامى الكنيسة حيث تغتفر الخطايا وأبعد قليلا المستشفى حيث نقضى ,وانا هنا فى الأعالى بطلا وضحية".
هذاونمنح جائزة كفافيس الدولية فى الشعرللمبدعين من مصر واليونان وبدأت عام 1990فى مجالات الشعر والرواية والترجمة والنبوغ ...
بهدف تنمية العلاقات المصرية اليونانية ..حاز من مصر عام 2007 على هذه الجائزة الشاعر فاروق جويدة وفى مجال الرواية رضوى عاشور وفى النبوغ سحر الموجى .
ونظمت فى عام 1983 للمرة الاولى فى الاسكندرية والقاهرة احتفاليات ثقافية متميزة فى الذكرى ال50 على وفاته تحت اسم كفافيات ومنذ ذلك الوقت يهتم المثقفين والادباء ولا سيماالسكندريين باحياء تلك الذكرى.
                                 كتابات عربية وغربية
تناول كتاباته بالسرد العديد من الكتاب العرب والغربيين عامة واليونانين بشكل خاص .
يقدم وسام الدويك فى كتابه "كفافى الشاعر والمدينة"توثيق من خمس محاور أساسية تتناول مخطوطات تروى أجزاء من حياته ..
المحور الأول "الأسرار القديمة "يتعرض لطفولته وأسرته وعمله وانتقالاته .
المحور الثانى "أجمل نساء العالم"ويقصد بها القصيدة باعتبارها أهم ما فى حياة كفافى .
وترجم له فى هذا الفصل شعراء وأدباء عرب أمثال "أحمد عبد المعطى حجازى ,حمدى ابراهيم ,رفعت سلام ,أحمد مرسى ,إبراهيم منصور ,نعيم عطية .
المحور الثالث "المدينة المجاورة لمصر"وهو الاسم الذى يطلقه الرومان على الاسكندريةحيث يرسم صورة لتلك الفاتنة التى ألهمت الكثيرين من الشعراء والأدباء .
المحور الرابع "معبد الروح "ويصف منزله الذى عاش ومات فيه وما يحتويه حاليا من قطع أثرية وأثاث راق .
المحور الخامس والأخير "ثريا رائعة تسطع بالنور "وهو مقطع من قصيدته الثريا حيث يسرد مذكاته والاطروحات التى كتبت عنه والجائزة الدولية التى تحمل اسمه وأسماء من حصدوها عرب وغربيين ,وفى النهاية عرض لصور الشاعر و متعلقاته منذ الطفولة وحتى وفاته.
ولا يجوز أن نذكر ما كتب عنه ونتجاهل بالذكر أطروحة الدكتوراه التى قدمها "غريغورى غوزدانيس" تحت عنوان "شعرية كفافى"والذى قدمه للمجلس الاعلى للثقافة بترجمة رقيقة عالية المستوى الشاعر" رفعت سلام",ويتناول تجربة كفافى من بعدا واحدا وهو"الشعرية"عبر ست زوايا
أو ست مفاهيم خاصة به .


1_مفهومه عن "الشاعر "وما يميزه عن الانسان العادى من حيث الهامه وخصوبةخياله ومفرداته .


2_مفهومه عن "المتلقى "أو المستقبل للشعر وهل هو عنصر من عناصر العملية الابداعية أم خارجها هل دور يقتصر على كونه مستهلك سالب التفاعل ام انه عنصر أساسى مشارك فاعل فى النص .


3_ مفهومه عن اللغةوتأثيرهافى النص وفى الخطاب الأدبى .


4_مفهومه ببساطة حول الشكل فى مقابل المضمون .


5_التراث فى شعريته هل هو معين ينهل منه فيلهمه دائما وأبدا ام عبىء يهدد الشاعر ويقلق تفرده ونقاء صوته ام يسجنه داخل شكل متفرد .
_مدى مشروعية محاكاة الشاعر للعالم الخارجى كمصدر للالهام أو التقليد. 
                             قلب الشاعر
ذلك الشاعر الذى عاش ومات وحيدا يشعل الشموع لزواره ويطفئها اذا اراد الخلوة أشعل دائما الشموع لمحبوبته التى قاسمت الاسكندرية ما فى قلبه من حياة والهام وهيام انها مدام "كرستينا قسطنطين "..صاحبة مقهى ايليت الشهير ..ظلت تشعل الشموع بعد رحيله وتحافظ على طقوسه لبعض مرتادى المقهى من المشاهير فتقدم لهم طبقه المغضل ومشروبه المفضل ..على انغام الموسيقى وأضواء الشموع ..نثرت صوره وقصائد بخط يده على جدران المقهى وعاشت حياتها بين ذكرياتها معه..وفاءا لعهدها معه بألا تترك الاسكندرية ..
"يا فاتنة الأوليمب لا تتركى الإسكندرية "بهذه العبارة التى ظلت ترددها اليونانية الحسناء الت أثرتى قلبه طلب منها الاتتركه وتترك ما اشتركا فى الغرام به...المدينة الساحرة .
ظلت سيرته حاضرة فى مخيلتها وسلسبيلا على شفاهها وهى تروى لمرتادى المقهى عنه وتؤكد فى كل حرف ..على مشاعر ظلت تنبض حتى وفاتها , مازال
المقهى يحتفظ بروحه وتهيم بداخله ارواح من احبوه ويستشعرها كل من زار المكان وهو يستحضر فى ذهنه قصص أصحابه .


                      نشر بجريدة القاهرة بتاريخ23 نوفمبر 2010

الأربعاء، 11 مايو 2011

الإسكندرية شباك مفتوح على الجنة


لورانس داريل
قلت ساذهب الى أرض ثانية وبحر آخر ..الى مدينة أخرى تكون افضل من تلك المدينة ..كل محاولاتى مقضىٌ عليها بالفشل ..وقلبى دفن كالميت .........لن تجد أرضا جديدة ولا بحراً جديد...... ستلاحقك هذه المدينة دوما ...ستسكن نفس الشوارع ويشيب شعر رأسك فى نفس المنازل....سوف تنتهى هنا دائماً..إنسِ اى مكانٍ آخر ..فانت لا تملك سفينة ولا طريق ....
بهذه الأبيات يقدم لنا قسطنطين كفافيس طرحاً للرؤية المتأججة فى نفسه نحو الإسكندرية التى ستظل تتعقبه تطارده دوماً, فهى تسكنه وتحاصره دائماً...
وسنراه يؤكد أن مصير الناس فى الإسكندرية مشابه لمصير أهل طروادة المحاصرة ,هم يعيشون سطوتها حتى الثمالة ,و مجبولون على البقاء فيها ,من يحاول الإبتعاد عنها نراه يعود اليها مرة أخرى مسرعا فى لهفة وشوق ,هى دائماً الملجا والغواية والفتنة حتى ولو انتابتها اعراض الخراب والموت...
تستقر الإسكندرية فى أعماق الشاعر وقصائده رمزاً للحياة والمصير الانسانى المطلق ,وشيئاً جوهرياً فى مسيرته ,فهى تعيش معه دوما وتتواصل مع أنفا سه و وتلاحقه اينما كان فى الوجود ........
                                          الكوزموبوليتية
                                                                           
حينما نتحدث كأفراد عن الإسكندرية فى حياتنا وخاصة ان كنا من غير سكانها سنجد للحديث مذاقا خاصاً مخلوطاً ببعض المغامرات و وحينها لابد وأن نتذكر الرباعية الشهيرة "رباعية الإسكندرية " للورانس داريل ..التى احتفت بظهورها كتحفة أدبية رائعة جميع الأوساط الثقافية العالمية ,والتى سرعان ما خلعت على صاحبها البريطانى لورانس داريل ثوب الشهرة والصدارة ...كاتب الاسكندرية الذى خلد روح المدينة "الكوزموبوليتية " عاصمة الذاكرة ومدينة الرومان والإغريق التى بُنيت " كالسد لمنع طوفان الظلمة الإفريقية " كما تصفها الرباعية .
حيث جاء طرحه معبرا عن شعور أدباء ومثقفى الإسكندرية الشاعرين بالغربة تجاه هذا الانقسام الذى بات جلياً امامهم بين " المدينة الأوروبية " مدينة الكورنيش والمقاهى فى شا رع فؤاد وبين " الأحياء العربية "والتى تناولها بشكل فلكلورى فانتازى غرائبى على غرار الإحتفالات الشعبية بالموالد او ببيوت الدعارة أحياء تصدح بالإصوات المزعجة والروائح الكريهة .
ثم أتى الكتاب الذين عاشوا فترة ازدهار الجاليات الأجنبية مثل " ادورد الخراط "وعبروا فى كتاباتهم عن نوع من الحنين لفترة التعايش بين جميع الجنسيات والأديان التى عرفتها الإسكندرية لذا وصفوا الرباعية بأنها بعيدة تماما عن مدينتهم كتب الخراط يقول أن داريل لم يعرف الإسكندرية فهى عنده وهم غرائبى ............
.....تقع أغلب أحداث الرواية كما ورد بالجزء الأول منها "جوستين 1957" فى بهو فندق " سيسيل " القديم المطل على البحر ...حيث يلتقى الكاتب الإنجليزى الشاب " دارلى " باليهودية المصرية "جوستين " المتزوجة من " نسيم " الذى ينحدر من سلالة إحدى العائلات الأرستقراطية المسيحية السكندرية ,تنشأ بينهما علاقة غرامية وتتصاعد الأحداث فى هذا الإطار وتزيد تعقيداً حينما يرتبط " دارلى " بعلاقة مشابهة براقصة يونانية شابة هى " ميلسيا "..وتستمر الأحداث فى حالة من البحث الدائم لهذه الشخصيات عن ذواتهم وحقائقهم من خلال خبراتهم الحسية ..ساعين لاكتشاف معانى الحب والجنس والحياة والواقع ......
ويزيد التعقيد فى الأجزاء الثلاثة التالية "بلتازار 1958 " _ "ماونت أوليف 1958 " _"كيليا 1960 " وتستمر الأحداث فى اطار مغلق مختنق يتخلله طرح للعديد من المؤمرات السياسية التى ُتدبر بمعرفة رجال الدبلوماسية البريطانية العاشقون لمصر ونسائها ..ورجال السلطة المصرية التى يصورهم داريل كمثالا للمستبد الأسيوى الفاسد .تدور تلك الأحداث فى الإسكندرية مدينة الجنس والموت كما يصفها داريل فى رسائله للروائى الأميركى هنرى ميللر ....

ويشير الناقد الكبير "شوقى بدر يوسف " إلى أن الحياة فى الإسكندرية تمور بايقاعها الخاص ويستمد ملامحه من رحلة زمانية طويلة قوامها أكثر من ألفى عام امتزج فيها الواقع بالخيال والفن بالأدب وفلسفة الفكر بالرؤية الإبداعية للفنان , والاديب الذى كتب عن الإسكندرية ابداعاً حقيقياً عبر فيه عما يعتمل داخلها من رؤى خاصة وما يميزها عن غيرها من سمات لها خصوصيتها حتى اكتسبت الإسكندرية شهرتها سواء فى جماليات طبيعتها أو عالمها السرى المخيف المختبئ وراء قناع المكان .

والرواية هى الأخرى رحلة تمور فى الحياة تجسد ملامحها وتضئ ما ورائها من خطوط اجتماعية وسياسة عريضة ,حيث تبلور الواقع وتبرز الظلال والمكان باهتمام الرواية العالمية والعربية حتى أصبحت من العلامات الخاصة فى المجال الإبداعى ..
تحدث عنها الروائى الإنجليزى أ.م . فورستر فسماها " المدينة المكونة من الكلمات " , وعن نفس المرحلة كتب الروائى اليونانى " ميشيل بيرينيس "روايته "أوديسا العصر الحديث "أو "غالانوس " التى تروى عن أسرة يونانية امتزج واقعها بواقع المدينة حتى أصبحا جزءاً واحداً , ورمزا لعلاقة الإسكندرية بالأجانب الذين إستوطنوا أحياءها المختلفة وعاشوا فيها , وإرتبطوا بأماكنها الحقيقية ,حتى صاروا جزءاًمن تركيبتها الإجتماعية المعروفة


                                     إسكندرية نجيب


وقد تواجدت الاسكندرية فى الرواية المصرية بإلحاح شديد من خلال زخم الحياة والعلاقات الانسانية المتشعبة.
والمتطورة التى تمور داخلها. ولعل خير مثال لذلك روايتى الكاتب الكبير نجيب محفوظ "ميرامار" و "السمان والخريف" بمحتواهما السياسى والاجتماعى والتى تبدو فيهما الاسكندرية بظلالها الخاصة
وكأنها تتحكم فى مصائر من يعيشون فيها وتوجههم كيفما تشاء يعيشون فيها ففى "السمان والخريف" نجد أن انتقال عيسى الدباغ إلى الاسكندرية للبحث عن الأمان والاستقرار أثناء هروبه من القاهرة يكتشف الحقيقة التى طالما تاق إليها......وفى ميدان سعد زغلول يلتقى مع الشاب الثورى الذى سبق و أُعتقله أثناء عمله ، يتحاوران، ويذكره الشاب بمصيره الآن حيث يقف فى الظلام تحت تمثال سعد زغلول ويتركه ويسير إلى شارع صفية زغلول ، وفجأة ينتفض عيسى الدباغ كأنه استيقظ من نومه على مقولة الشاب ويسير وراءه حيث الحياة الجديدة....فهكذا يتعرف على شاطئ المدينة بالحقيقة التى طالما تاق اليها , و بحث عنها .
وهكذا نجد أن نجيب محفوظ فى روايتى "ميرامار" و "السمان والخريف" قد صور الاسكندرية تصويراً رائعاً من خلال شخصيتين متناقضتين "زهرة" الخادمة النقية التى تتعامل مع الجميع من منطق الحب والحرية، و"ريرى" العاهرة التى دفعت عيسى الدباغ إلى أن يعرف معنى الحياة بمحافظتها على كرامتها التى جرحها عيسى الدباغ حين كان فى أوج قوته. والاسكندرية فى هذا التواجد تكشف عن نفسها تجاه ممارسات الشخصيات التى تعيش فيها ، وهى كما قال عنها نجيب محفوظ فى مستهل رواية "ميرامار" "الاسكندرية أخيراً. الاسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع".

                                          (1)


من الروائيين الذين تناولوا الاسكندرية ؛ المكان والزمان والخلفية والشخصية التى تضطرم بشتى رؤاها ......
ابراهيم عبد المجيد الذى تعتبر كتاباته عنها ملمحاً خاصاً يميز عالمه الروائى، ففى رواية "الصياد واليمامة" نجد أن الاسكندرية تفتح ذراعيها المرحبتين للشخصية الوافدة من الجنوب وتحاول أن تعطيها الأمان والطمأنينة، وتحاول أن تتواءم معها اجتماعياً وسياسياً من خلال العشرة والحياة والهموم اليومية الحياتية. وفى رواية "بيت الياسمين" نجد أن شخصية "شجرة محمد على" –الشخصية المحورية فى الرواية-ما هى إلا شخصية أفرزتها الاسكندرية ووضعتها فى طريق الحياة السياسية... لتجد نفسها فى النهاية صورة ذاتية متناثرة مثيلاتها فى أماكن كثيرة فى مجتمعنا المصرى، إلا أنها هنا فى الاسكندرية كان لها صدى خاص على خريطة الواقع السياسى والاجتماعى، تعيشه بعقلها وقلبها ونبضها و كل ما لديها من محاور ذاتية سواء كانت نابعة من أنانيتها الخاصة، أو نابعة من انتمائها إلى زمانها ومكانها التى تعيشه والاسكندرية تظهر فى روايات ابراهيم عبد المجيد واضحة جلية من خلال مراحل التغيير التى طرأت على المجتمع فى مصر خاصة المرحلة التى أعقبت نكسة يونيه 1967 وكذا من خلال التلاحم بين الزمان والمكان وما يدور فى المدينة من ممارسات ، وما تتسم به شخصيتها من تميز خاص فى ملامح التغيير


                                          (2)


وعن التناغم البيئى بين البيئة الشعبية السكندرية فى ابى قير ووفرة الشبه مع البيئة الشعبية اليونانية المترتبطة بالتراث اليونانى متمثلة فى مسيو " نانا " الباحث عن مقبرة الاسكندر الأكبر فى رواية " سكر مر " كتب الأديب محمود عوض عبد العال ..كما كتب أيضاً مصوراًالبيئة الشعبية المخيفة لحى باكوس فى رواية " عين السمكة " من خلال عرضه لشخصية "فاطمة السودا " تلك القوادة التى تسكن سور كنيسة باكوس ,والإحباط الذى زامن نكسة 1967 وصاحب المثقفين
ويؤكد شوقى بدر يوسف الناقد فى تحليلاته الأدبية على أن هناك العديد من الروائيين السكندريين عبروا فى كتاباتهم الروائية تعبيرات واقعية عن بيئات مختلفة ومن هؤلاء " ادوار الخراط , سعيد سالم , سعيد بكر ,مصطفى نصرى ..واوهو الروائى الوحيد الذى اتخذ من اللإسكندرية مسرحا لكل أعمال الروائية معبرا فيها عن عالمها السرى المخيف وعن شخصياتها المنتشرة فى قاع المجتمع السكندرى .
كذلك جاءت رواية بدر الديب "أجازة تفرغ " تعبيرا واقعيا حى عل صخب الحياة الواقعية فى الإسكندرية بخيرها وشرها وطابعها الخاص وما يدور فيها من ممارسات يجسد ذلك من خلال حياة فنان تشكيلى فر من القاهرة أثناء إحدى حملات الإعتقالات بسبب آرائه و إنتماءاته السياسية ..فإختار منطقة الملاحات القريبة من الما كس مخباءاً ومكاناً لممارسة طقوسه الفنية ..فعربد فى الفن والحياة حتى لقى مصرعه ,فأظهر الإسكندرية لوحة فاقعة الالوان صاخبة الموسيقى سكب فيها من روحه وبث فيها من مشاعره وأحاسيسه الفياضة حتى أنها تجسدت له موديلا جميلا عبث به واستباح منه المغريات .
وهكذا فإنه بين الإسكندرية والفن والإبداع علاقة تبدوا كالسحر يتماهى فيها كل طرف فى الآخر لتتشكل لدى الرائى والقارئ لوحة متناغمة الألوان والظلال تشع عبيرا يقطر شهداً على صفحات الأدباء..و الرواه تعشقعها الألسن والآذان ..وتسحر بها العيون وتفتن بها القلوب حينما تراها مشاهداً سينمائية على شاشات العرض ,فى مهدها فاتنة منذ فتنت الاسكندر الأكبر ببرها وبحرها و أغرمت بها شتى الجاليات التى مازالت تسير بها بالشوارع ,ال حكايات ميرامار وجوستين ورسائل البحر لداوود عبد السيد ........
الاسكندرية بين بين عوالم من الفن الخاص ليست نصاً أدبياً كما أشاعوا بل ملهمة العباقرة

                                                نشر بجريدة القاهرة 10 /5 / 2011

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

ميدان القائد إبراهيم قبلة الغاضبين فى الاسكندرية



مسجد القائد ابراهيم
لم تكن ثورة ..بل كانت تباريح مخاض ..طالت قبلها الأوجاع والآلام على مدى أيام وشهور وسنوات ,لم تكن أيضاً محض صدفة بل طال انتظارها وتطلعت الحواس لتتلمس بداياتها بشغفٍ حقيقى , إنتظرها شعباً زادت عليه وطأة الظلم والفساد الذى نخرت عظامه فلم يترك أمام شباب تلك الامة من عزاءٍ على الارض فاتجهت أنظارهم نحو السماء ,وتبدل صبرهم وصلواتهم من بعد صمتٍ الى غضبٍ بركانى تفجر مدوياً سمعته كل الكآئنات على الأرض وفى السماء ,وابت إلا أن تكون ثورة بيضاء الأيادى والصفحات,مهما عصفت بها رياح التغير ..ومن قلب ميدان التحرير بالقاهرة سمعت شتى بقاع الأرض هذا النداء نداء الحرية الذى استجابت له كل الارواح التواقة للمساواة والهروب من تحت عباءة النظام الفاسد الى أصالة الواقع المصرى الحقيقية ’فاستنفرت معها كل عاشقٍ لذلك , وإن كان ميدان التحرير بالقاهرة هو مهد ولادة تلك الثورة والقابعين على ارصفته وطرقاته حتى الآن لايملكون الا عنفوان الكلمة وحناجر قوية تصدح بها هم رعاتها وحماتها ..فأن الاسكندرية هى الرحم الذى حمل نطفتها الاولى

                                                  البذرة


حادثة " خالد سعيد " بذرة الثورة الأولى ’ رغم وحشية تلك القبضة الدامية التى أودت بحياته ظلماً دون مبرر كانت نفس القبضة التى توهجت ناراً أمام الكثيرين من الشباب والناشطين الحقوقين بالاسكندرية وغيرها ..وكشفت عن ضيق مكنوناتهم وكاهلهم بما يستشرى فى جسد الامة من ظلم يغذيه الفساد وتسانده المصالح الشخصية حتى ولو حساب أرواح الأبرياء فانطلقت حملة "كلنا خالد سعيد " من على صفحات "الفيسبوك " ومواقع مدونات الشباب تردد ما يجول بخاطر شباب مصر جميعاً وتُظهر وعياً لم نعهده جميعا منهم ..واستمرت منذ السادس من يونيو 2010 تناهض قمع الغير مسؤلين من جهاز الشرطة والداخلية تجاه تلك القضية التى تابعها الرأى العام بإهتمام بالغ ..واستمرت الوقفات الاحتجاجية الصامتة التى طالما اشتاق اليها كورنيش الاسكندرية من جلسة محاكمة الى أخرى ..الامر الذى أكد على تلك القناعات هو الآخر لم يكن الا كارثة حلَت هى الأخرى على الاسكندرية مع اول ساعات الصباح الاولى لاول أيام العام الحالى , فى تمام الثانية عشر والثلث من صباح اليوم الاول من عام 2011، وأودت بحياة الكثيرين من الارواح البريئة التى لا ذنب لها سوى انها خرجت للاحتفال بعيد القيامة واستقبال عام جديد ..لم تكن تدرى ان اصابع وزير الداخلة السابق واعوانه من الجلادين قد اغتالوا تلك الفرحة البريئة التى علت وجوه الشهداء الذين تساقطوا بالعشرات مسلمين ومسيحين ولم تفصل أجسادهم حتى الآن أحياءاً او اموات ,من هنا انطلق اول نداء للإنتفاضة الشعبية بالخروج فى عيد الشرطة 25 يناير للإعلان عن المطالب الشعبية . ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد الاستخفاف بأرواح الأبرياء فعصف بحياة المواطن السكندرى أيضاً" سيد بلال " الذى اعتقله ضباط امن الدولة فى السادس من يناير 2011 ثم أعادوه لاسرته فى اليوم التالى مباشرةً جثة هامدة مما أثار حفيظة المترددين فى الخروج وتلبية النداء الثورى ..فخرجوا مطالبين بالقصاص من قسوة رجال الشرطة ومطالبين باسقاط الحكومة والنظام البائدين ...
                                                                 
                                                     القائد ابراهيم


شهد ميدان محطةالرمل بالإسكندرية وخاصة مسجد القائد ابراهيم وقائع الثورة منذ انطلاق شرارتها الاولى حيث شهد على الوقفات الاحتجاجية التى نظمتها دعوة كلنا "خالد سعيد " وفى الخامس والعشرين من يناير ,استمرت يوميا تلك الحشود الثائرة المنتفضة تسجل بطول الكورنيش وطرقات ميدان محطة الرمل وجدران المسجد مع كل صلاة احتجاجها وكلمتها التى لن تتراجع عنها سوى باسقاط النظام كاملا وقرار التنحى ,وكلما مرت جمعة من جمعات الثورة التى بدأت بجمعة الغضب وامتدت حتى جمعة التطهير،تتزايد الأعداد حتى تخطت المليون ,بذلك المشهد المهيب .

أقيم مسجد القائد ابراهيم فى الذكرى المئوية عام 1948 لوفاة القائد " ابراهيم باشا " ابن "محمدعلى" والى مصر , حسب تصميم لمهندس ايطالى الأصل شغل منصب كبير مهندسى الأوقاف حيث اشرف على أعمال القصور والمساجد فى عهد الملك فؤاد الأول وكان حينها قد جدد بالفعل مسجد "المرسى أبو العباس" .


وهومن أشهر المساجد ليس بالإسكندرية فقط بل بمصر بأكملها يشتهر فى منظره بالزخارف المختلفة لعصورٍ مختلفة وينفرد بمئذنته الطويلة الرشيقة والتى تتميز عن مثيلاتها بوجود ساعة بها ’ وفى سحره بجذب المصليين من شتى بقاع الاسكندرية بل والمحافظات المجاورة وخاصة فى ليالى شهر رمضان لصلوات التراويح و التهجد وخاصة فى العشرة الأواخر من الشهر الكريم ,حيث ترتقى الاعداد فى تلك الايام الى ان تتخطى مئات الآلاف ,ملحق بالمسجد دار مناسبات خاصة تابعة له , يطل على البحر مباشرةً وعلى حدائق جميلة هى حديقة الخالدين فضلاعن ذلك أشهر ميادين الاسكندرية وهو ميدان سعد زغلول او" محطة الرمل " وبالقرب منه على بعد خطوات بسيطة وبمنطقة الشاطبى تقع مكتبة الاسكندرية .


أما فى الأونة الأخيرة أصبح مسجد القائد ابراهيم قبلة الغاضبين المنظمين للوقفات الإحتجاجية منذ الوقفات الخاصة بقضية خالد سعيد , والوقفة الاحتجاجية الخاصة بقضية الشهيدة "مروى الشربينى " المصرية السكندرية التى اغتيلت بألمانيا فى فبراير عام 2009 داخل إحدى قاعات محاكم مدينة "دريسين " على يد المتطرف الروسى الجنسية "اليكس " .


وهكذا كما تنطلق من داخل المسجد وقاعة المناسبات التابعة له الآيا ت القرآنية مودعة للعديد من أجساد المفقودين والمظلومين من ابناء الاسكندرية ..تعالت صيحات الرغبة الوحشية فى التغيير وأبت الا أن تهدأ وتستقر الا باسقاط النظام والقضاء التام على الفساد والمفسدين ...بمليونية شهدها العالم أجمع وتطلعت نحوها العيون .


مليونية جمعة الرحيل

                                                نشر بجريدة القاهرة 5/4/2011






















































































الثلاثاء، 18 يناير 2011

حكاية شارع خليل حمادة ....قرآن الفجر والترانيم الكنسية تنسجان معاً خيوط الوحدة فى الشارع المنكوب

شارع تعانق فيه الهلال مع الصليب فى الواقع




لن أنسى ما حييت شارع خليل حمادة حين كنت صغيرة عبرته بالسيارة و كلما ذكرت أمامى كلمة كنيسة تذكرتها.... كنيسة القديسين وهى تتوسط الشارع من جهة اليسار وفى مقابلها تماما ولا يفصله عنها سوى امتار قليلة مسجد سيدى بشر.

وكما أننى لن أنسى ...لن ينسى التاريخ ذاك الشارع بمشهده المهيب حين تيقاطع شارعى العيسوى مع شارع خليل حمادة ذاك الاسم لم يكن مجرد اسم شارع بمنطقة الثغر فحسب ..بل انه الإسكندرية بل مصر جميعها ..حيث كان شاهدا على حالة من الانخراط والتجانس بين البشر باختلاف الدين ..
حين تسمع قرآن الفجر حيناً ...وتنصت للترانيم الكنائسية حيناً آخر ...حين تنادى فاطمة على محمد من شرفة منزلها بالأدوار العلى ..فيدركها مينا ملبيا لها طلبها الى حين عودة صديقه ..مداعباَ اياها " سجلى دى فى سجل الجمايل يا طنت "
                                     اسم ومسمى


استمد الشارع عراقته من اسم اشهر سكانه قديماً ,وهو جد المهندس " أحمد خليل حمادة " رئيس نادى سبورتنج السابق ,وكان "خليل حمادة وزيراً للأوقاف فى عام 1900 عندما كانت الوزارة مازالت تؤلف باسطنبول وتوفى فى عام 1910 ,أنجب ثلاثة أبناء " جواد خليل حمادة " وهو أول من أنشاء قسم العظام بكلية طب الاسكندرية ..بل وشارك والد الدكتور عصمت عبد المجيد فى انشاء مستشفى المواساة الحالية إحدى اقدم واعرق المستشفيات بالاسكندرية .
وأنجب "جواد" اثنين الأول هو الدكتور جواد حمادة أستاذ العظام بكلية طب الاسكندرية وهو الأصغر والذى وافته المنية ورحل منذ ثلاثة أعوام تقريباً ,والثانى هو المهندس أحمد حمادة رئيس نادى سبورتنج السابق .
أما الابن الثانى للجد خليل حمادة هو عبد الرحمن حمادة الذى أنشأ مصانع المحلة الكبرى ومصانع الحرير الصناعى وهو بالأصل كان مهندساً ببنك مصر حينما كان البنك يقوم ببناء المشروعات .
أما الإبن الثالث لخليل حمادة فهو محمد حمادة والذى شارك فى بناء العديد من المصانع بمختلف المجالات كمصانع النشا والخميرة ومانع السيارات وحوالى 6 مصانع اخرى مختلفة .وانجب حسين الذى انشا بدوره مصنع لانتاج فرش البويات ثم هاجر لكندا واقام بها مصنعاً ثم عاد الى مصر ليتوفى بها عام 1996 ..إذا فعائلة خليل حمادة عائلة عريقة أنشأت العديد من المصانع والمستشفيات خدمت الجميع مسلمين ومسيحيين وبنت معها جزءاً من تاريخ الاسكندرية مازال شاهدا على عراقة هذا الإسم ,أما من ناحية ما يميز الشارع من عقارات وبنايات فبدون المسجد والكنيسة لا يعرف أحد الشارع ولا يعلم الكثيرين ايها اسبق فى النشأة والتواجد فى هذا المكان البشر الذين أقاموا بها ام المسجد والكنيسة .فأغلب عقارات المكان حديثة النشأة .
وتؤكد أغلب الرويات أن أساس الكنيسة وضع عام 1971 على مساحة 900 متر ,وفى فجر عيد الرسل من نفس العام أقيم فيها أول قداس إلهى بعد تسميتها "كنيسة القديسين .مارى مرقص الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء" وهما القديسان اللذان تتصدر صورتهما واجهة الكنيسة أعلى صليب كبير .
أما المسجد "مسجد سيدى بشر أو شرق المدينة " كما يسميه البعض يقع فى المواجهة تماما ويرجع تأسيسه الى ما قبل 20 عاماً ويمتد على مساحة 500 متر وهو تابع لوزارة الأوقاف ومن أشهر مساجد المدينة


                                        الأحداث
لم يتخيل بيتر وماركو رواد كلية التجارة جامعة الاسكندرية أن الليلة وعند منتصف الليل وحينما يو دعون عاماً انقضى ويستقبلون آخر أنهم سيودعون معه أصدقاؤهم الثلاثة أقارب الجارة وصديقة الأم الحميمة التى أستدعت بكل شوق أبناء أختها من استراليا لتمضية الأجازة واحتفالات العيد معها بكنيسة القديسين .. وبالقطع لم تكن تعلم انها دعتهم الى اقدارهم ......بعد غياب عشرة أعوام عادوا للإسكندرية ليبرهنوا بدمائهم التى اختلطت بدماء اخوانهم وأصدقاء الطفولة أنهم مازالوا ابناء وطن واحد مهما اختلفت الأسماء واختلفت العقيدة .
منذ الواحدة صباحاً وحتى الرابعة ورجال الامن والفرق الطبية يتعاملون مع الموقف بحذر وما هى الا لحظات أخرى حتى بدأ رجال البحث الجنائى إلتقاط الإدلة ..علهم يستطيعون الوصول لهوية الشبان الثلاثة الذين ترجلوا من سيارتان "جولف وسكودا "وتركتاهما بجانب الكنيسة لينفجرا بعد الثانية عشرة والثلث صباحاً ..محدثين تلك الفوضى والهلع والرعب المصاحب لزلزلة لحظية ومؤقتة لطبيعة العلاقات بين مسلمى ومسيحى المكان . الأشهر و الأكثر رمزية بمصر لتلك الوحدة الوطنية المستهدفة حاليا ...!


تحول الشارع الذى يربط منطقة الكورنيش على البحر والمناطق الداخلية بالمدينة إلى ما يشبه إستوديو مفتوح منذالحادث وحتى الآن ..حتى أصبح المكان يشبه مدينة الانتاج الإعلامى .
حظى هذا الشارع مؤخرا بأحداثه باهمية دولية وعالمية أيضاً ..بدى ذلك من توافد الإعلاميين من شتى القنوات الفضائية العربية وغيرها كطاقم وكالة أنباء اليابان.. والتى أكد معظمها أن الإهتمام العالمى بوضع مصر امر طبيعى إلا أن هذا الحدث فرض نفسه وزاد من تلك الأهمية ...مجموعة التحليلات والتساؤلات التى تناولها الجميع حول مرتكبى تلك الفعلة النكراء والتى ربطها الأغلبية بالتهديدات التى أطلقها تنظيم القاعدة منذ ما يقرب من الثلاثة أشهر .
لم يستطع العقل الذى تعلق كثيرا بهؤلاء الفتية الصمود امام هول الحدث ومأساوية المشهد الشارع الذى بات شاهدا على الوحدة والتماسك رفضت ارضه وأبت ان تتشرب دماؤهم التى امتزجت ببراءتهم وأشلائهم المتلاحمة دون غربة.. الا على الجسد الواحد .
من يعلم جيدا تركيبة المجتمع السكندرى ويدرك تماما اختلاف تيمة البشر فيه عن اى مكان آخر بمصر يعلم كيف ان هذا الحدث مدبر بشكل متقن واختيار المكان لتنفيذ هذا المخطط الإرهابى لم يكن اختيار وليد الصدفة وانما مقصود تماماً على الرغم من تكرار مشهد تجاور الكنائس والمساجد فى اغلب محافظات مصر الا انه بالاسكندرية الواقع مختلف..


العلاقة بين مسلمى ومسيحى المكان تختلف عن اى علاقة اخرى بين مسلم ومسيحى فى شتا أنحاء مصر ,الاسكندرية مدينة بوليتان احتضنت كل الأجناس والديانات وهضمتها جيدا ً,لذا تجد مسلموا ومسيحيو المدينة نسيجاً واحداً يصعب التفريق بين احد افراده
وخير شاهد على ذلك هو ما حدث سريعا بعد استيعاب الصدمة والخروج من هول المفاجأة حيث لم يتأزم الوضع أكثر بنزاعات طائفية او حرب اهلية مصغرة كما كانت تلك الايادى الخفية تتمنى وتتربص بالنتائج ,بل ذادت الأزمة من الترابط الواضح فى تماهى وانسجام تام بين شتى أطراف المجتمع وخرج الجميع منها يدا واحدة ..باحثين عن المتربص بهم وبأمنهم .

                                           نشر بجريدة القاهرة بتاريخ 18 يناير 2011