الثلاثاء، 10 يناير 2012

الله .. كأنهُ هو معاناة لا تنتهى




لم تتوقف جرأة شبابنا عند حد ثورةٍ على نظام فاسد أضنى جسد الأمة بألواناً من التناقضات والعذابات المرفوضة ..بل امتدت جرأتهم للحديث والثرثرة بموضوعات وأفكارٍ وتساؤلات  ظلت لعهود سحيقة من المحرمات الخوض فيها أو تناولها بالحديث من قريبٍ أو بعيد , حتى كانت البداية ..!
الله.. كأنه هو أحدث إصدارات دار نفرو , إشارةٌ ما , تحمل فى طياتها الكثير والكثير من الإسقاطات والتساؤلات التى لا تقف عند حد ولا تحترم غير العقل فى مضمونها ...
(لنكن عيدًا لأولهم وآخرهم ..لنكن دينًا لكل المتعبين ..لنكن أثرًا فى هذه الحياة القصيرة جدًا والرائعة جدًا ..فليكن ما يمكن , وما لا يمكن لنا أن نكونه ..) لنكن أثرًا , تلك الحياة الأثر ؛ أثرنا فكرة نطرحها بين صخبٍ لآثارٍ أُخَرْ 
أثرْ أبو القاسم الشابى بيته الشعرى الشهير مؤخرًا , ألهَم ثورات العالم العربى بعد موته بسنوات طوال ,إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة   فلابد أن يستجيب القدر
 فإستجاب, وكانت مقولته عيدًا لكل المتعبين .
هل حياتنا نحن أثر ؟
تساؤل من بين المئات التى يطرحها كاتب تكمن جرأته فى حداثة سِنه وتناوله لموضوعات كفَّ عن تناولها أو البحث فيها الكثيرين بإدعاء أنها مقارنات لا جدوى منها , ولابد أن تنتهى بك إلى الرفض , ولكن أىُّ رفض ؟ إنه رفض الآخر, المختلف معنا عقائديًا وفكريًا , ما إعتدنا عليه فى تناولنا للآخر هو الانتهاء الى مالا يمكن لنا ألا نقبله , وبمنتهى الوعى المتعمد  نتجاهل أنه ضمنيًا هناك ما نتفق فيه , عند تحليل فكر عقائدى ما من الطبيعى أن نصطدم  بما نختلف عقائديًا معهم , إلا أننا وفى حال إلتزامنا الموضوعية  سنفاجئ بنقاط نتفق فيها حتى ولو كانت مختلفة الظهور فى شكلها من عقيدةٍ لأخرى .
                                
                                      الموت بداية
" الله .. كأنه هو" معاناة باحث حول رصد فكرة الإله عبر التاريخ البشرى الطويل, كيف تناولتها الأديان ؟
فى رؤية فلسفيه لحقيقة حضور الله يرى الكاتب أعظم ظهور لهذه الحقيقة فى أمرٍ ترتد إليه كل الأشياء , نحن والعالم والوجود بأكمله ..ألا وهو الموت !
فلكى نتحدث عن الله لابد وأن نتحدث عن الموت ..الذى تُثار حوله العديد والعديد من التساؤلات , ما معنى الموت ..؟
هل بُنيت حيواتنا على معنى خاص وعميق للموت ..؟وهكذا تنمو الأسئلة
الى أن تصطدم بفكرة ..ما معنى أن يَخلق الله ويتجلى حضوره فى فكرة الموت , ثم يزَيِّفه بفكرة البعث ؟..
وتستمر هكذا رحلة البحث الفلسفية  المُصاغة بشكل أدبي , مُطرز دائمًا بعلامات الإستفهام والتعجب , والتى تدفعنا دفعًا..لقراءة هذا العمل المثير للجدل مرات عدة , ولا شك أنه بعد كل قراءة تتبلور فكرة جديدة أو تختفى إحدى علامات الإستفهام بإجابةٍ قد تكون رؤية فردية للكاتب .
كفكرة المساواة بين الموت والحياة ,فالكتاب المقدس يتعامل مع فكرة الموت على أنه عقاب  (موتًا تموت ) , كلمة صادمة سيتم توريثها فيما بعد ,
أما القرآن يتناول الموت  كحق على البشرية وكافة الخلق , أمرٌ عادى مساوٍ للحياة,عالم آخر مجسَّد منذ لحظة بعثنا على ما متنا عليه من هيئةٍ  وجسدٍ وفعل  , صورة من التعظيم وفى موازاتها يُلقىِ على كتفيك بكامل المسؤلية ,تجد فى تلك الرؤية العميقة بعض الراحة , حيث إحترام العقل وحرية الاختيار , فى حين أنَّ  المسيحية وفكرة تعظيمها الدائم  للإنسان عبر تجسد الرب بجسدك فى صورتك وبالنهاية كمُخلصك ..؟ تجدها مبعث للتواكل والإهمال .
                                 ما الفائدة ؟
قد يرد على ذهن البعض بعد القراءة حول حقيقة ما الجديد الذى قدمه هذا العمل  وما الذى سيعود علينا مستقبلًا ؟ خاصة وأنه مخالف لكافة العلوم الحديثة التى تستطيع التنبؤ بالمستقبل بل وتكوين فكرة نقدية له ..؟
وإن كان دعوةً صريحة لإعمال العقل , فما النفع من التفكير بعقلية العصور الوسطى  ؟
فجاءت ردود الكاتب ..
_فى جوهر  بحثى هنا وفى تنبؤنا بالمستقبل   محاولةً للنقد والإجهاز على مشكلات الماضى وصعوباته دون حذفها  إلا أنها فى ذات الوقت إسقاط على الواقع الحالى , دعوة للإختلاف مع الآخر ولكن بتقبله دون رفضه .
لم يأتى كتاب " الله ..كأنه هو" تكرارًا لاى كتاب سابق ,ولم يكن تناوله أبدًا تخيلًا مسبقًا وبسيطًا حول فكرة الايمان او الإلحاد .
فكرة الإلحاد قائمة على نقد الآلهة , كتاب (الله .. كأنه هو) يرفض  تصورات الآلهة ولم يرفض فكرة الإله ذاته , يتجلى لنا هذا من خلال تناوله لأحدث كتاب صدر بهذا الصدد لأشهر مفكر ملحد معاصر وهو" ريتشارد دوكنز" فى كتابه وهم الإله الذى تناوله الكتاب بالنقد والرفض لمختلف الأنساق الذى يقدمها دوكنز على مدى فصل كامل  وأيضًا يتناول بالنقد العديد من المؤلفات فى أصلها مسيحية , تناول نقدى حيادى  دون رفض أو تأييد لذلك لم يأتى الكتاب كالمعتاد حين التطرق لهذه الأفكار, لم يأتى كمقارنة أديان حول فكرة الإله كيف تناولتها اليهودية؟ ..أوكيف تناولتها المسيحية ؟..وكيف تناولها الإسلام؟ ..وإنما جاءت الفكرة فى حلٍ تام من مبدأ المقارنة , فجاء الكتاب وكأنه حالة بحث مضنية مستمرة حول ذاتية الإله عبر تاريخنا البشرى الطويل , على صعيدٍ آخر ننتهى إلى أن رحلة الكاتب لم تكن كما سيتصور القارئ فى البداية  رحلة من الشك الى اليقين وإنما رحلة  تفكير عقلانى لتأكيد قناعاتٍ ما .
                                         الفخ
بقدر تعدد أسباب متعة القراءة بدايةً من جرأة الأفكار والتناول ..وحداثتهم إلا وأنه على مدى القراءة تستشعر وكأن بالكاتب ينصب لذاته فِخاخًا ويستعد بمنتهى الوعى للسقوط  فيها , بدايةً من زخم الأفكار والتساؤلات , بل وتكرار بعضها أحيانًا , وانتهاءًا بحالة من التشتيت المبدئى التى تسببت فيها بشكل مباشر كثرة المراجع والقراءات التى إستعان بها الكاتب وقدم لها رؤى نقدية ,جاءت تناولاته وإن كانت بشروحٍ مستفيضة , إلا أن كثرتها تسببت فى حالة من عدم التركيز, خاصة عندما بدأ فى عرض ظروفٍ وتجارب خاصة أثرت فيه وحده , لا علم لى  بها فأقف عندها تتملكنى الحيرة حول السبب الحقيقى  لعرض هذه التجارب وما إن كانت حوادث عامة أجهلها وأجهل معها علاقتى كقارئة بها .
إلا أنك فى النهاية تصطدم بالفخ الأعظم الذى نصبه الكاتب لك وله على حدٍ سواء ألا وهو توقفه عن حالة بحثه بشكلٍ مفاجئ عند الديانة المسيحية وكأن بالاسلام لم يظهر بعد او وكأنه لم يعرض لفكرة الإله فى مضمونه وعقيدته فلا تستطيع حتى بالتنبؤإستخلاص أى صورة للتناول الاسلامى لفكرة الإله
وعلى الرغم من  ذلك تنتهى الى تقبل العمل ككل, حين تبصر حديثه  الذاتى الخاص فى النهاية .
(غايتى ليست أن أتسلل للسماء كى أرى الله رغبةً مجنونة فى الأبدْ , غايتى أبسط .
أقول لنفسى :
لماذا تحزن ؟ ألا تؤمن بالله ؟أبسط فكرة يمكن أن نتفق عليها أنه هنا , أن الله بيننا وأننا لا نعرفه ,وأن الخير ليس سهلًا لكنه ممكن ،وأننا لا شئ فى وجود مربك ولكننا مفضلون ومقصودون وأن هناك علة لك , تُرى ..كيف تقتنص النقاط التى تؤهلك لتدوين عالمك , وكم ستحتاج من الوقت لتفهم حكمة الله ؟).

       نشر بجريدة القاهرة 10 /1 / 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق